{ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } البقرة ... ( شهر رمضان ) سمي الشهر بهذا الاسم : قيل لأنه مأخوذ من رمض الصائم إذا أحرق جوفه من شدة العطش , وقيل : لأنه يرمض الذنوب أي يحرقها بالأعمال الصالحة , وقيل : لأن القلوب تأخذ فيه من حرارة الموعظة والتفكر في أمر الآخرة , وقيل : لأنهم كانوا يرمضون أسلحتهم في رمضان ليحاربوا في شوال قبل دخول الأشهر الحرم . قاله القرطبي .
يخبر الله عباده أنه فرض عليهم صيام شهر رمضان , كما فرضه على الأمم السابقة , لحكمة عليا , وفائدة كبرى وهي إعداد النفس لتقوى الله بترك المباحات , وامتثالا لأمره تعالى واحتسابا للأجر عنده , وسوف نتحدث عن فضل رمضان والصيام فيما بعد .
(الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ):-
أنزل الله على نبيه القرآن في رمضان، قال ابن كثير " يمدح الله تعالى شهر الصيام من بين سائر الشهور, بأن اختاره من بينهن لإنزال القرآن العظيم فيه " ا.هـ
فقد نزل القرآن الكريم ليلة القدر إلى بيت العزة في السماء الدنيا جملة واحدة قال تعالى { إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ... } وقال تعالى { إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ }ثم نزل على النبي( صلى الله عليه وسلم ) في ثلاث وعشرين عاما منجما حسب الوقائع والحوادث.
قال ابن عباس " إنه أنزل في رمضان في ليلة القدر وفي ليلة مباركة جملة واحدة , ثم أنزل على مواقع النجوم ترتيلا في الشهور والأيام " فقد أنزل القرآن على النبي (صلى الله عليه وسلم) في شهر رمضان حين جاء جبريل وقال اقرأ في القصة المشهورة .
(هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ) :-
هذه صفات القرآن يمدح الله تعالى بها فهو دستور الأمة, ونظام يتمسكون به في حياتهم, فيه النور والهدى والضياء وهو سبيل السعادة لمن أراد أن يسلك طريقها.
قال صاحب الظلال : "والقرآن هو كتاب هذه الأمة الخالدة الذي أخرجها من الظلمات إلي النور ،فأنشأها ،وبدلها من خوفها أمنا , ومكن لها في الأرض , ووهبها مقوماتها التي صارت بها أمة , ولم تكن من قبل شيئا , وهي بدون هذه المقومات ليس أمة وليس لها مكان في الأرض ولا ذكر في السماء" .
(فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ):-
هذا النص القرآني هو الذي أوجب الصيام على كل مسلم ومسلمة صياما عينيا , قال ابن كثير :" هذا إيجاب حتميٌ على من شهد استهلال الشهر-أي من كان مقيما في البلد حين دخل شهر رمضان , وهو صحيح في بدنه أن يصوم لا محالة" . فمن حضره الشهر وليس عنده عذر وجب عليه الصيام.
( وَمَن كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ):-
من به مرض في بدنه أو يشق عليه الصيام يجوز له الفطر ويقضي بعد ذلك, ومن سافر مسافة قصر الصلاة يجوز له الفطر ويقضي أيضا, وذلك تيسيرا من الله ورحمة بعباده ولذلك عقب فقال:
{ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ }
فالشريعة الإسلامية مبنية على التيسير وهذه قاعد شرعية جليلة في جميع التكاليف الشرعية حيث كانت المشقة كان التيسير ومنها القاعد الفقهية المشهورة [المشقة تجلب التيسير ]فهذا يسر الدين أما أن نفهم اليسر أن نترك التكاليف الشرعية بالمرة فلا نصوم , أو نؤخر الصلاة عن وقتها دون عذر شرعي ,أو نرتكب المحرمات والموبقات بحجة التيسير , ونقول أن الدين يسر فهذا فهم خاطئ لقواعد الشريعة الإسلامية.
{ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ }
من أفطر في رمضان لعذر شرعي فعليه أن يصوم أياما مكان الأيام التي أفطرها حتى يتم العدة التي أمر الله بصيامها أي يكتب له صيام الشهر .
والصيام نعمة تستحق الشكر والتكبير { وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }والتكبير والذكر بعد انقضاء العبادة أمر هام جدا فهو يشعر القلب بالفرحة والسرور والسعادة بعد الصيام , ويشعره بالعزة فلا شيء أكبر منه سبحانه ,فالله أكبر من كل كبير , أكبر من كل عزيز , أكبر من كل قوي فلا نخاف إلا منه, ولا نعبد إلا إياه , نكبره على أن وفقنا إلى صيام رمضان فهذه نعمة تستحق الشكر , ولتفئ القلوب إليه بالطاعة , التي توصل إلى غاية الصيام {لعلكم تتقون}.
وبعد هذه المعاني الإجمالية نتحدث عن فضل رمضان وعن الصيام.
فضل شهر رمضان
رمضان في الأعماق سكناه*** فكيف أنس من في الناس لقياه
رمضان شهر عظيم وموسم كريم , يعظم الله به الأجر ويجزل المواهب , ويفتح أبواب الخير لكل راغب , شهر الفوز بالجنان والعتق من النيران, شهر الخيرات والبركات , شهر المنح والهبات , شهر أوله رحمة , وأوسطه مغفرة , وآخره عتق من النار , شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن .
يا ذا الذي ما كفاه الذنب في رجب***حتى عصى ربه في شهر شعبان
لقد أظلك شهر الصوم بعدهما ***فلا تصيره أيضا شهر عصيان
واتل القرآن وسبح فيه مجتهدا ***فإنه شهر تسبيح وقرآن
كم كنت تعرف ممن كان في سلف**من بين أهل وجيران وإخوان
أفناهم الموت واستبقاك بعدهمو ***حيا فما أقرب القاصي من الدانيوفي الصحيحين عن أبي هريرة ( رضي الله عنه ) أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال: "إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة, وغلقت أبواب النار وصفدت الشياطين".